بقلم باتريك تاكر
على الرغم مما يسببه استخدام الذكاء الاصطناعي من مخاطر في الحروب وقتله أعداد كبيرة من الأشخاص بضغطة زر واحدة، إلا أن النقاشات مطروحة – على الرغم من قلّتها – حول استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل الحروب أكثر أماناً للمدنيين.. هذا ما بدأت باستكشافه الآن القوات الخاصة الأميركية، بحسب ما أوضحه مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة والصراعات منخفضة الحدة كريستوفر ماير في حديثه للصحفيين.
وأشار ماير إلى أن جزءا من السبب وراء هذا التحول هو أن منع الإضرار بالمدنيين في نزاع واسع النطاق — مثل حرب محتملة مع الصين — سيكون أصعب بكثير مما هو عليه في المهام المتعلقة بمكافحة الإرهاب التي تنفذها القوات الخاصة الأمريكية في مختلف أنحاء العالم.
وقال ماير: “عندما نبدأ في إدخال هذا المفهوم والتركيز على “تقليل” الأضرار المدنية ضمن التدريبات واسعة النطاق، يصبح الأمر مرهقاً جداً إذا فكرت في حجم هذا النوع من الصراع وإطلاق آلاف الضربات في غضون ساعة واحدة. إنه أمر يذهل العقل”.
وأكد ماير أن وزارة الدفاع تبذل بالفعل جهوداً كبيرة للحد من الخسائر بين المدنيين، لا سيما في المهام المتعلقة بالقوات الخاصة. وأحد الأمثلة على ذلك هو مركز التميز الجديد المخصص لحماية المدنيين في النزاعات.
ويرى ماير أنه من الضروري تزويد القوات الخاصة بأدوات متقدمة للحد من الخسائر المدنية وهو جزء من تحول أوسع تعمل عليه الولايات المتحدة لتعزيز قدرتها على التنافس مع الصين على الصعيد العالمي.
على سبيل المثال، يدرس الجيش الأمريكي تقليص عدد أفراد القوات الخاصة بنحو 3000 شخص. وقال مسؤولون في الجيش لموقع “ديفنس ون” في أيلول/سبتمبر، إن هذه التخفيضات ستؤثر على الأدوار غير القتالية، أو ما يُعرف بـ “أدوار التمكين”، مثل موظفي مقرات القيادة، والخدمات اللوجستية، والعمليات النفسية.
لكن ماير يرى أن “أدوار التمكين” هي بالضبط ما يجب أن تستثمر فيه القوات الخاصة الأمريكية للتفوق على الصين. وأوضح قائلاً: “إذا كان لديك فريق من القوات الخاصة مكون من 12 فرد من القبعات الخضراء، فسيحتاجون إلى إتقان مهارات مثل تنفيذ الهجمات السيبرانية، والتعامل مع الأقمار الصناعية للخصوم، والتكيف مع بيئة المراقبة التقنية المنتشرة، بالإضافة إلى القدرة على إصابة الهدف بدقة في كل عملية عسكرية”.
هل ستتمكن التكنولوجيا من حماية المدنيين؟
عرض تقرير للصليب الأحمر الدولي عام 2021 بعض المجالات التي يمكن أن يساعد فيها الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بتحسين دقة الاستهداف وتحليل البيانات الميدانية، في جعل النزاعات أكثر أماناً للمدنيين وغير المقاتلين.
وأوضح التقرير أن هذه الأنظمة “يمكن أن تمكن البشر من اتخاذ قرارات أفضل أثناء العمليات القتالية بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني، وتقليل المخاطر على المدنيين من خلال تسهيل جمع وتحليل المعلومات المتاحة بشكل أسرع وأكثر انتشار” .
ومن جهة أخرى أشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي في الحروب قد يؤدي إلى تقويض الجهود الرامية لحماية المدنيين، كما قد يؤدي إلى ما أسماه الصليب الأحمر “الشخصنة المتزايدة للحرب”، حيث تقوم الأنظمة الرقمية بتجميع معلومات تعريفية شخصية من مصادر متعددة — بما في ذلك أجهزة الاستشعار، والاتصالات، وقواعد البيانات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والبيانات البيومترية — لتكوين حكم خوارزمي حول الفرد، ووضعه، ومدى إمكانية استهدافه، أو حتى التنبؤ بأفعاله المستقبلية.
وقد تم استخدام هذه الأجهزة ودخلت حيز التنفيذ، كالأداة التي تُدعى “لافندر”،وهي أداة ذكاء اصطناعي تم تصميمها لتحديد المشتبه في أنهم مقاتلون من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. بحسب ما جاء به تقرير لمجلة +972 الإسرائيلية استناداً إلى مصادر متعددة من داخل الجيش الإسرائيلي. ووفقاً للمجلة، “خلال المراحل الأولى من الحرب، منح الجيش موافقة شاملة للضباط لاستخدام قوائم القتل الخاصة بـ “لافندر”، دون الحاجة إلى التحقق من سبب اتخاذ النظام لتلك القرارات أو مراجعة البيانات الاستخباراتية الخام التي استند إليها.”
وبالمقابل، عند تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على تقليل الأضرار المدنية، وفقاً لتقرير صدر عام 2022 من مركز التحليلات البحرية (CNA).
على سبيل المثال، يمكن تقدير الأضرار الجانبية من خلال إيجاد الاختلافات بين الصور المستخدمة والبيانات الأحدث حول الهدف، وإرسال تنبيه إلى وجود مدنيين حول الهدف إذا تم اكتشافهم.
بعبارة أخرى، يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا حاسما في تقليل الشكوك حول الأهداف، مما قد يساعد القادة على تحديد الأهداف التي ينبغي ضربها — وتلك التي ينبغي عدم ضربها.
حتى في عالم مثالي. عالم قادر على التمييز بين “العدو” و “غير العدو”، ويكون فيه من السهل تحديد مناطق الاستهداف بحيث يقل احتمال حدوث أي أضرار جانبية سيظل هناك خطر قائم على المدنيين.
وعليه فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب للحد من الخسائر المدنية يعتمد بشكل كبير على المعايير التي يحددها البشر لتوجيه هذه الأنظمة. وهذه المعايير ستعكس نوايا وأولويات الحكومة التي تستخدم النظام.
بقلم باتريك تاكر..
المصدر: Defense One